العـــــالِم ، والعـــــارف ، والواقـــــف
السير إلى الله تعالى إنما هو بالعلم النافع ، والعمل الصالح ، باتباع الأمر واجتناب النهي ، وهؤلاء هم العلماء ، ومحل العلم العقل والحواس .
أما المعرفة ، فنور يلقيه الله في قلوب أحبابه ، يخبر عن حق الله ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، فهي وجد في القلب نتيجة تجليات أسمائية وصفاتية ، والعارف يتردد تارة بين العلم وبين المعرفة ، بين الظاهر والباطن ، فإن سألت العارف عن مسألة ، أعطاك جوابين : جواباً في الظاهر ، وآخر في الباطــــن . أنـــــــوار المعـــــرفة هي قوله صلى الله عليه وسلم : ﴿ اللهم اجعـــــل لي نــــورا ﴾ .
فإذا أفاض الله على روح عبده قطرة من أنوار ذاته ، أحرقت علميته ، ومعرفته ، وأخذ بالكلية عن نفسه ، وهو قوله ﷺ : ﴿ واجعــلني نورا ﴾ .
وهذا العبد إما أن يوظفه الله تعالى وظيفة ، ويعيده إلى الخلق ، إما قطباً ، وإما عالماً ، وإما غير ذلك ، ويكســـــوه من الأسمــــاء ، والصفات الإلهيــــــة ، ما يعينه على تأدية وظيفته التي وظفه فيها ، ثم يزينه بزينة معاني هذه الأسماء والصفات ، فيعود إلى الخلق بالله ، وتلك ما نسميه ( البقـــاء بعد الفنــــــاء ) .
وإما أن يمسكه عنده ، ويستخلصه لنفسه ، فيسمى ( واقــــفاً ) ، فالواقف حيث يفنى الطالب في المطلوب ، والذاكر في المذكور ، إذ لا يدخل حضرة الله ســــواه .
العالم عالمه البعد لا يرى إلا الغيرية ، عنده أن الله غيب ، والكون شهادة .
العارف عنده أن الله شهادة ، والعالم غيب .
الواقف لا يرى عالَماً أصلاً ، حتى ولا يرى نفسه ، ومع ذلك لو استضاف الكون كله عنده لوسعهم .
* ﴿ سبحان من لا تعرفه المعارف ، وتبارك من لا تعلمه العلوم ، إنما المعارف نور من أنواره ، وإنما العلوم كلمات من كلماته ﴾
وعمل العالم الصالح يؤنس صاحبه ، إلا إنه لا يناضل عنه ، لأنه لغير الله .
أما العارف ، فهو يعتمد على معرفته ، فتدخل معه قبره في صورة حسنة تحفها الملائكة ، فمعرفته تؤنسه ، والملائكة تؤنسه ، إلا أنها أيضا تضيق عليه قبره . ولكن عمله هذا القائم على المعرفة يناضل عنه في قبره .
أما الواقف فإنه يدخل إلى الله وحده ، لا عمل له . فالله تعالى هو الذي يتلقاه ، وهو وليه ، يؤنسه بنفسه .
العمل للآخرة غايته أن تدخل الجنة ، أو تهرب من النار ، وينقطع بالموت . أما العمل لله تعالى ، فيزيد بالموت ، وتزداد به علما بعد علم ، ومعرفة بعد معرفة .
أما الواقف ، فيزداد مشاهدة بعد مشاهدة . وأين العلم من المعرفة ، وأين المعرفة من المشاهدة .
* ﴿ العالِـــم في الــــرِّق ، والعـــــارِف مكـــاتَب ، والواقِـــف حـــــر ﴾
الواقف كل حركاته عبادة ، لأنه يرى محركه فيها ، وذنبه الوحيد هو رؤية نفسه في العمل ، فإن رأى نفسه في العمل فهو شرك .
ولو خطرت لي في سـواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي
كل ما جمعك على الله فهو الحق ، وكل ما جمعك على المعرفة فهو من المعرفة ، وكل ما جمعك على العلم فهو من العلم .
العالِم ينتقل إلى الآخرة بالموت . والعــــارف ينتقل إلى الآخرة بدون موت . الواقــــف لا ينتقل ، فله الثبــــوت .
* ﴿ إن دعوتنى في الوقفة ؛ خرجت من الوقفة . لأن الدعاء من عبد لرب ، والوقفة ليس فيها غير الرب ﴾
العالِم يصلي ، والعارف يخشع ، والواقف تفتخر به الصلاة ، والكعبة تطوف حوله وتقبِّل رأسه ، والجنة تشتاق إليه .
#سماحة_الإمام
#صلاح_الدين_التجاني_الحسني
#الكنوزالعشرة